الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

تفاصيل هروب قياديي «النهضة» للجزائر



محمّد بوغلاّب
 
أثار استقبال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لرئيس حركة «النهضة» كأول شخصية غير جزائرية يستقبلها بعد تعافيه، جدلا واسعا وفتح الباب على مصراعيه للتأويلات في محاولة لفهم أسرار الانفتاح المفاجئ للجزائر على حركة إسلامية. ذلك أن مرارة عشرية الإرهاب الأعمى ألقت بظلالها على موقف الجزائر الرسمي من حركات الإسلام السياسي. مصادر مطلعة أفادت «التونسية»  أن علاقة الإسلاميين التونسيين بالجزائر علاقة مركّبة.




ذلك أن الجزائر خصّت راشد الغنوشي باستقبال كبير في زيارته الأولى لها  سنة 1990 بمناسبة التئام ملتقى الفكر السياسي في الإسلام بمدينة قسنطينة بمشاركة  كبار مفكري وساسة الحركات الإسلامية أمثال: «أبو الفتح البيانوني» و«عدنان سعد الدين» والمفكر السوري «برهان غليون» والداعية السعودي «أبو بكر جابر الجزائري» والشيخ «سعيد رمضان البوطي» و«الهاشمي الحامدي» الذي لعب دورا كبيرا في إعداد برنامج هذه الزيارة بفضل علاقاته الممتدة في الجزائر خاصة أنه متزوج بجزائرية .قبل أن ينقلب على حركته الأمّ التي كان من أبرز قياديي جناحها الطلاّبي بداية الثمانينات. وجدير بالذكر أن عددا من قيادات حركة «النهضة» غادرت تونس بعد إحكام بن علي لقبضته الأمنية على البلاد وإعلان سياسة تجفيف المنابع لتصفية الإسلاميين هربا إلى الجزائر بعبور الحدود خلسة. وقد أحسنت الجزائر وفادتهم ولم تطرد إلا أعدادا قليلة يتردّد أنها تورطت في تزوير جوازات سفر جزائرية. وقد شجع صعود «جبهة الإنقاذ» الإسلامية بقيادة عباسي مدني آنذاك إلى واجهة الساحة السياسية في الجزائر لجوء إخوانهم التونسيين الذين وجدوا في حركة «مجتمع السلم» بزعامة محفوظ نحناح حضنا دافئا لهم. وقد اعترف محمد بن سالم وزير الفلاحة في حوار لجريدة «البلاد» الجزائرية في شهر أفريل من العام الماضي بأنه حظي صحبة الغنوشي باستقبال جيد في الجزائر   الى غاية نهاية سنة 1991 بعد أن قررت الحكومة الجزائرية عقب ما وقع من أحداث ترحيله  قائلا : «قررت ترحيلنا تحت ضغط زبانية نظام بن علي الذي عمل كل ما في وسعه لإجبار السلطات الجزائرية على تسلمينا للشرطة التونسية» وارجع بن سالم الفضل للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة  قائلا «لقد قدّم لنا خدمة كبيرة عندما تدخل شخصيا لدى السيد أحمد غزالي رئيس الحكومة في تلك الفترة وضغط عليه من أجل عدم تسلمينا أنا والغنوشي لنظام بن علي لترضخ في الأخير حكومة غزالي وتسمح لنا بالخروج من الجزائر باتجاه لندن وهو الموقف الشجاع والإنساني للرئيس بوتفليقة الذي لا يمكن نسيانه». ويبدو أن بعض التفاصيل قد فاتت السيد محمد بن سالم في تذكره للأحداث التي مرّ عليها زمن طويل،  فهو لم يكن صحبة زعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي و لم يكن في تلك الفترة  من الشخصيات المعروفة في الحركة حتى عند عموم أبنائها.  أما الذي كان معروفا لدى المصالح الجزائرية السياسية والإعلامية وحتى الأمنية فهو الدكتور احمد الزناد الذي كان يقيم بالجزائر منذ سنوات و يشتغل في إطار دراسته بمستشفى مصطفى بالعاصمة الجزائرية و كانت هذه المصالح المذكورة ترجع له في كل ما يخص الحركة بما في ذلك مقابلات الغنوشي أو غيره مثل محمد شمام الذي يشتبه في قيادته لمحاولة اغتيال بن علي بصاروخ «ستينغر» سنة 1991 و قد طلبوا منه مغادرة الجزائر في فيفري 1992 بعد الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد .
ومعلوم أن الغنوشي غادر تونس في شهر ماي 1989 بعد انتخابات أفريل 1989 التي عرفت بروز القائمات البنفسجية المدعومة من حركة «النهضة» وكانت وجهة الغنوشي ألمانيا ثم استقر في الجزائر بعد أن امتنعت السلطات التونسية عن تجديد جواز سفره، وفي 10 نوفمبر 1991  قامت السلطات الجزائرية بترحيله في اتجاه الخرطوم صحبة كل من  المختار بدري و عامر لعريض والصحبي الهرمي و محسن الجندوبي و عبــــــد الحميد  العداسي ورضــــا التونسي ورضـــا الباروني والصادق الغضباني (وكيــل أول سابق بالقوات الخاصة بالحرس)، و لم يتخلف إلا محمد شمام الذي «اختفى»  ورفض الخـــروج من الجزائر... ولم يكن محمد بن سالم أووليد البناني ولا أحمد الزناد ولا لطفي زيتون ولا غيرهم  ضمن المطالبين بالرحيل في ذلك الوقت... أما أسرة الغنوشي فقد بقيت في الجزائر تحت أنظار النظام وحركة «حماس» (حركة اسلامية جزائرية) بقيادة محفوظ نحناح  إلى نهاية سنة 1992 رغم الموقف السلبي للغنوشي من النظام آنذاك ومن المرحوم الشيخ محفوظ  نحناح وانحيازه بالمقابل و كليا للجبهة الاسلامية للإنقاذ بزعامة عباسي مدني ، وكان إقلاع الطائرة المدنية الخاصة ليلا يوم 10 نوفمبر 1991 من مطار غرداية بالجنوب الجزائري  بإشراف  مصالح المخابرات العسكرية على العملية من أولها إلى آخرها.
        وتؤكد مصادر عليمة لـ «التونسية» أن الوزير  محمد بن سالم لم يكن من المطالبين بالرحيل من قبل السلطات الجزائرية ولم يكن ضمن قائمة الذين سفّرتهم السلطات الجزائرية الى الخرطوم.. بل إن السيد بن سالم خرج بمحض إرادته صحبة عائلته وليس صحبة راشد الغنوشي وذلك في مارس سنة 1992 متوجها الى فرنسا. أما وليد البناني(النائب بالمجلس الوطني التأسيسي)  فقد توجه الى بلجيكا ولطفي زيتون الى بريطانيا  والبقية في أغلبهم الى ألمانيا والنمسا كمحطة عبور الى بقية البلدان الأوروبية.
  مصادرنا أكدت  أن الرئيس بوتفليقة الذي كان أيامها مقيما بالإمارات العربية المتحدة   فعل «شيئا» لصالح راشد الغنوشي شخصيا وعائلته  مثلما تدخل الرئيس الأسبق احمد بن بلّة وكذلك عبد الحميد مهري (كان وقتها الأمين العام لجبهة التحرير الوطني) وعبد العزيز بلخادم(كان وقتها رئيسا للبرلمان الجزائري)  والشريف مساعدية وحركة «حماس» بقيادة محفوظ نحناح لفائدة قيادات «النهضة» التي فرّت من نظام بن علي.  ويقول أحد قياديي «النهضة» ممن عاشوا تلك المحنة وفضّل عدم الكشف عن هويته» لا بد من الاعتراف أيضا بجميل قيادات جهاز الأمن العسكري والمدني الذين سهلوا لنا سبل المغادرة دون عناء يذكر، وكذلك موقف المرحومين الرئيسين  الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف». 
وفي سنة 1999 ترشح بوتفليقة دون غطاء حزبي في انتخابات الرئاسة الجزائرية ولكن منافسيه الستة (احمد طالب الإبراهيمي،عبد الله جاب الله ، حسين آيت أحمد، مولود حمروش، مقداد سيفي، يوسف الخطيب) انسحبوا من السباق الانتخابي بحجة أن بوتفليقة مدعوم من طرف الجيش الجزائري . الدكتور أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية والخبير بالشأن الجزائري بحكم إقامته سنوات طويلة للعمل بالجزائر وزواجه بجزائرية أفادنا أن راشد الغنوشي بعث برسالة لبوتفليقة يطلب منه أن يستقيل من الرئاسة بسبب عدم شفافية انتخابه، كما أوعز لوزير الخارجية التونسي الأسبق محمد المصمودي بأن يطلب من بوتفليقة-الذي تجمعه به صداقة منذ الستينات تمتنت خلال سنوات إقامتهما الطويلة في الإمارات العربية المتحدة وقربهما من الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات- أن يستقيل من منصبه. وقد حاولنا الاتصال بالسيد المصمودي وزير الخارجية الأسبق في مقر إقامته بالإمارات دون جدوى. ويبدو أن المقال الذي نشره نور الدين الختروشي-النهضوي السابق- والزعيم  الحالي لحركة البناء المغاربي في إحدى الدوريات العربية سنة 1999 كان في إطار الضغط «الناعم» على بوتفليقة ليستقيل ، وهو ما لم يحدث ....
وفي السياق ذاته، تتفق روايات متعددة على متانة العلاقة التي كانت تربط الرئيس بوتفليقة بالماجدة وسيلة بورقيبة زوجة «المجاهد الأكبر». أما ما تردد بشأن استقبال الباجي قائد السبسي لبوتفليقة قبل استقلال الجزائر فهي إشاعة يبدو أن قريبين من قائد السبسي قاموا بالترويج لها، ذلك أن بوتفليقة كان في المنطقة الغربية خلال الثورة الجزائرية أي على الحدود المغربية ولم يكن منطقيا أن يلتجئ إلى تونس في تلك الظروف ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق