السبت، 28 سبتمبر 2013

"الشيخ" عبد العزيز بن ضياء وقصة المناشدة "بن علي 2014"؟


عاد إلى ذاكرتي  ما قاله لي الأستاذ الساسي بن حليمة  محامي عبد العزيز بن ضياء  وصديق طفولته في مدينة المكنين بالساحل التونسي "سي عبد العزيز كان صبّاب ماء على اليدين"، 

أي أن الرجل لا يتحمّل مسؤولية ما حدث من تجاوزات في عهد بن علي الطويل على الرغم مما كان يتداول عن النفوذ الذي كان يتمتع به الرجل في قصر قرطاج ، تذكرت الموقف بعد أن  اتصل بنا أحد المقربين من عبد العزيز بن ضياء الذي مازال يواجه مصيره منذ إلقاء القبض عليه  بعد هروب سيّده  ذات عشية يوم جمعة14جانفي 2011 ، وكشف لنا محدثنا الذي طلب منا عدم الكشف عن هويته عن بعض كواليس ما كان يحدث في قصر قرطاج...




قال مصدرنا إن عبد العزيز بن ضياء  الذي كان يطلق عليه في كواليس قصر قرطاج" الشيخ" كان  محل ثقة عمياء من بن علي وأنه كان البوابة الإجبارية للوصول إلى الرئيس، وقد تضاعف نفوذ بن ضياء في قصر قرطاج بتكليفه بمهمة ناطق رسمي باسم الرئاسة سنة 2003  وهي مهمة استأثر بها لسنوات طويلة وزير الإعلام غير المعلن عبد الوهاب عبد الله وبذلك جمع عبد العزيز بن ضياء بين خطته كوزير دولة مستشارا خاصا لبن علي ومهمة الناطق الرسمي للرئاسة
حين علم بن علي وحاشيته بمرضه(سرطان البروستات)  زادت الخشية من المستقبل خاصة بعد تعرّض "الرئيس" لجلطة قلبية في مناسبتين الأولى سنة 1989 والثانية منتصف التسعينات، دبّ الخوف في قلوب الحاشية  من تغير الأوضاع وانقلاب الموازين إذ كان لكل مجموعة وفي مقدمتها الطرابلسية أصهار الرئيس مصالحها وكان ضروريا التخطيط لحمايتها، أما بن علي فيذكر مصدرنا بأنه لم يكن يتحدث في موضوع خلافته ولم يكن مسموحا بإثارة الموضوع أصلا، ويبدو أن القرار اتخذ بتصعيد الصهر المفضل لبن علي صخر الماطري الذي ينحدر من عائلة "بلدية" (أي من أصيلي مدينة تونس العاصمة) لها شرعية دستورية نضالية(عمّ والده هو محمود الماطري أول رئيس للحزب الحر الدستوري الجديد)، فضلا عن لعب ورقة المحاكمة التي تعرض لها  الماطري الأب الذي كان ضابطا للجيش وإتهم بالتآمر على الحكم في ما عرف بالمحاولة الانقلابية  للأزهر الشرايطي سنة 1962 وكان يمكن أن تنتهي قصة الرجل ببضع رصاصات في صدره ولكن "الماجدة" وسيلة بورقيبة تدخلت لدى المجاهد الأكبر ليتم العفو عن الماطري وبذلك أفلتت رقبته من الموت.
وجد الجماعة أنفسهم في مواجهة شاب عديم الخبرة لا معرفة له بالسياسة ولا بدواليب الدولة،  أقصى ما كان يفلح فيه هو تناول "الشيشة" مستلقيا على ظهره رفقة "ستّ الحسن" زوجته إبنة " الرئيس والرئيسة" بعد أن فتحت في وجهه شركات القطاع العام ليأخذ منها ما شاء فكان بنك الجنوب بداية الصعود السريع لصخر الماطري وتكوين ثروة طائلة لا حدود لها بنكهة دينية في بنك الزيتونة الذي أطلق عليه تسمية "المصرف" حتى يتمايز عن بنوك الرباء المعاصرة، وإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم، أما نيابة سيارات "البورش" وسلسلة المحلات التجارية في السوق الحرة بالقرية السياحية  بميناء قرطاج وشركة"النقل" التي كانت مملوكة للدولة قبل أن تؤول إليه في إطار سياسة الخوصصة ...  فلم يكن مطلوبا منها التدثر بعباءة التديّن...
وأوكلت مهمّة تكوين الشاب الغرّ لعبد العزيز بن ضياء الثعلب السياسي الذي لم يغادر دائرة الحكم منذ دخلها لأول مرة في سبتمبر 1978 وتونس تلملم جراحها بعد أحداث الخميس الأسود (26جانفي 1978)، إذ تأقلم  العميد السابق لكلية الحقوق مع الهادي نويرة منذ تكليفه بوزارة التعليم العالي سنة 1978 وصمد فيها في ظل حكومة محمد مزالي رغم كل العواصف التي مرت بها تونس ونظام الحكم البورقيبي (أحداث قفصة، مرض الهادي نويرة، أحداث الخبز، الهجوم الإسرائيلي على حمام الشط....)  ليتولى حقيبة التربية سنة 1986 فالشؤون الإجتماعية جويلية 1986 فإدارة الحزب الحاكم(الحزب الإشتراكي الدستوري) في أفريل 1987 فوزارة الثقافة لمدة ثلاثة أيام خلفا لزكرياء بن مصطفى (سبتمبر 1987) في اللحظات الأخيرة من حكم "الأسد العجوز" ليحوز على ثقة الحاكم الجديد بعد إنقلاب 7نوفمبر الطبي بإسناده رئاسة المجلس الدستوري ثم تكليفه بوزارة الدفاع (1991-1996) وخلال عهده حدثت محاكمة  براكة الساحل التي أطاحت بعشرات من العسكريين بتهمة الانتماء لحركة النهضة  والتخطيط لانقلاب عسكري  وهي محنة مازالت جراحها لم تندمل إلى اليوم إذ شملت المحاكمة أبرياء ليس لهم من ذنب سوى الحظ السيء، وفي عهده أيضا  أقرّ نظام التعيينات الفردية بل إن بن ضياء كان يرغب في إقرار قانون التدريب العسكري للطلبة خلال العطلة الصيفية ولكن لم تتم الاستجابة لمقترحه، وهكذا كان بن ضياء في كل الوزارات التي مرّ بها مبتكرا للقوانين فهو مخترع القانون الشهير المتعلق بمنع التثليث في الجامعة التونسية حين كان وزيرا للتعليم العالي(عرف في أوساط الطلبة بنظام الخراطيش)   ثم أسندت لبن ضياء مهام الأمانة العام للتجمع الدستوري الديمقراطي (1996-1999) ...
لم يكن هناك من هو أقدر من عبد العزيز بن ضياء ليتولى مهمة تلقين الصهر المفضل كيف يكون رئيسا...جرى ذلك تحت عيني الرئيس وموافقته الضمنية فلم يكن لبن علي بديل في غياب وريث للعرش وباتت صور صخر تظهر بمناسبة ودونها وكثيرا ما واكبت نشرات الأخبار أنشطته "المهمة" في شعبة قرطاج درمش وأعادت وكالة الأنباء الرسمية نشر فقرات من تحاليله الفذة،  وكان المعلّم بن ضياء  دائما بجانب التلميذ يسهر على سرعة حفظه لدروسه ...ونظرا إلى ثقل مسؤوليات وزير الدولة بن ضياء في القصر إذ كان يباشر عمله كل يوم في السادسة صباحا وهو الرجل العجوز(من مواليد 1936) فقد اضطر لنقل جانب من مهمته في تعليم الصهر إلى رجل ثقة من داخل المنظومة،  رجل يحسن قول "نعم" مهما كان المطلوب، هنا تم التفكير في محمد الغرياني –إبن سيدي عمر بوحجلة- الذي لا يبعد كثيرا من حيث السن عن صخر الماطري فضلا عن تجربته "الناجحة" على رأس منظمة الطلبة التجمعيين  و"إنجازاته" في لندن حيث كان سفيرا، فقد تمكن من إدخال الهاشمي الحامدي وقناته "المستقلة"  إلى بيت الطاعة  وفتح قنوات التواصل مع عدد من قيادات حركة النهضة... بدأت رائحة الطبخة تفوح، ربط الصلة بين صخر الماطري وجانب من قيادات الحركة الإسلامية خاصة وأن الصهر كان يحرص على إبراز جانب التدين في شخصيته بالتمسك بالبسملة في استهلال حديثه مفكك الأوصال ركيك الصياغة .
ولذلك جيء بمحمد الغرياني من لندن وعيّن وزيرا للشؤون السياسية في قصر قرطاج مستشارا لبن علي حتى يكون قريبا من الرئيس والصهر التلميذ والمعلم الأكبر عبد العزيز بن ضياء ...
ما لم يقرأ له عبد العزيز بن ضياء حسابا أن خصمه اللدود عبد الوهاب عبد الله تمكن  بمساهمة "جليلة" من وزير الداخلية المثير للرعب رفيق الحاج قاسم من إقناع حاكمة قرطاج ليلى الطرابلسي بأنها الأحق بالعرش من الصهر الذي يظل في النهاية غريبا عن الطرابلسية الذين تغولوا وباتوا الحكام الفعليين  للبلاد، ولأن بن ضياء كان فائق الذكاء فقد تجنب الاصطدام بهم بل تكفل بإيجاد المخارج القانونية لكل رغباتهم  ولكنه لم يكن مطمئنا إلى طمعهم في الاستيلاء على الحكم عبر شقيقتهم المفضلة ليلى ...
لم يكن مسموحا للصراع أن يطفو على السطح بين طموح صخر ورغبة ليلى في الاستئثار بالحكم لنفسها، فما الذي ينقصها؟ فهي متحصلة على الدكتورا في الحقوق  والفضل يعود لوزير التعليم العالي-آنذاك- الأزهر بوعوني أستاذها المشرف ، وباتت تخطب في الجماهير العريضة وتؤلف الكتب وتكتب الافتتاحيات وتجبر المهرجانات والملتقيات على أن تكون تحت إشرافها ، وتٍرأس  الاجتماعات الوطنية و الندوات الإقليمية(ترؤسها لمنظمة المرأة العربية) ، وحتى تقلّم أظافر صخر الماطري تمت إقالة معلمه المباشر محمد الغرياني  وإخراجه من القصر والإلقاء به في "سلة المهملات" التي لم تكن غير التجمع الدستوري الديمقراطي الذي أصبح مجرد جهاز للتعبئة للمناسبات الاحتفالية لاغير حسبما أفادنا مصدرنا .
ظل عبد العزيز بن ضياء يفكر في مخرج يوقف به الطموح الجارف لسيدة قرطاج واستغل نشوة الفوز التاريخي لبن علي في انتخابات أكتوبر 2009 ليطلق الدعوة إلى بن علي 2014 لتنطلق حملة المناشدات من كل حدب وصوب
يؤكد مصدرنا أن بن علي نفسه لم يكن قد فكّر وقتها في الأمر، ولكن مستشاره الخاص قام بخطوة إستباقية لقطع الطريق أمام إمكانية إعلان ترشح ليلى الطرابلسي ولم يكن أمام أحد الاعتراض على خطوة  ترشيح "صانع التغيير" لولاية جديدة رغم تردي صحته ...
في تلك السنوات صدرت تعليمات الدكتور محمد قديش الطبيب الخاص لبن علي بأن لا يثقل الرئيس على نفسه بالعمل ولذلك كان يكتفي بالفترة الصباحية ليعود إلى سكنه بسيدي الظريف ليلاعب إبنه الوحيد محمد ويلهو معه في حين كانت ليلى وأشقاؤها يلهون بالبلاد ويستولون على كل شيء يتحرّك ...

كما نصّت التعليمات الطبية على أن يتم تجنب إثارة غضب الرئيس أو انزعاجه، وكانت تلك مهمة عبد العزيز بن ضياء الذي كان يطلع على كل المراسلات الموجهة لبن علي حتى بالغة السرية ومنها ما تعلق بتجاوزات أصهاره من سليم شيبوب إلى الطرابلسية التي ترد عليه من الأجهزة الأمنية ومن بعض سفاراتنا وممثلي التجمع الدستوري الديمقراطي في الخارج ، كان بن ضياء يقوم بفرز المراسلات ولا يسمح بمرور أي شيء يزعج الرئيس ....
أطلق عبد العزيز بن ضياء الدعوة إلى ترشيح بن علي للرئاسة من جديد في تجاوز صارخ للدستور ولكن انتهاك الدستور لم يكن جريمة في تلك الظروف أمام رغبة ليلى الطرابلسي في رئاسة البلاد...

لا أحد يعلم ماذا بقي في صندوق قصر قرطاج الأسود الذي لم يفتح منه شيء ولم يتح للتونسيين عدا  مشاهدة مطبخ الرئيس وكم كيلوغراما من السمك الطازج يقتني"  ّطبّاخ الريّس" كل صباح، في تلك الجولة الاستعراضية التي بثت على إحدى القنوات التلفزية الخاصة لبيان زهد الرئيس الحالي وتقشفه، أما بقية الأسرار وكيف كان يصاغ القرار في القصر ومن يأخذه وكيف، فيبدو أنها مسائل مؤجلة إلى حين ...دون أن يعلم أحد متى؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق